إخلاصُ أسير
- Rahaf
- Aug 20, 2020
- 1 min read
عندما ولدتُ وحملوني من الأرض، لم أرى نور الشمس سوى مرة. ترعرعتُ برفقة أبناءِ شعبي. كنا جميعاً بنفس السِن تقريباً، ولم يكن بيننا شيخٌ أو طفل؛ فأولويةُ البقاء كانت لهؤلاء المقبلين على الحياة. للشباب، للأنشط، وللأقوى.
كنا ذوي بشرةٍ بنيّة داكنة. لونٌ أخَّاذٌ ملفت. وكانت لنا رائحةُ ذيعَ للعالمِ بأسره أنها ذكيّةٌ و ساحرة. وأحياناً تكونُ رائحةُ النساءِ منا هي الآسره.
عندما تم احتلال أراضي قريتنا. أُسرت أنا ومجموعةٌ من رفاقي سوياً. تم أخذنا إلى مكان مجهول، والإغلاق علينا لشهور دون طعامٍ أو شراب. وكان الحال نفسُه مع الجماعات الأخرى. حيثُ قُسِّم أبناءُ شعبي إلى مجموعات و أُخِذوا إلى أماكن مختلفة حول العالم.
أذكرُ المرة الأولى التي فتحتُ فيها عيناي بعد الأسر. بدون سابِق إنذار تم رمينا جميعاً بنفس الوقت داخل حُفرة. و تم تعذيبنا وإضطهادنا حتى أُصبتُ أنا ومن معيَ بدوارٍ وغثيان، و تشوّهتُ ولم يعد شكلي كما كان بالسابق.
بعدها، وفي المرحلة الأخرى التي آلمني فيها التعذيب، تم حرقي وتهشيمُ جسدي حتى أصبحتُ كالماء. ولم يعدُ فيَّ ما يمكنه التماسك أوالصمود.
شعرتُ وكأنني انقسمتُ إلى نصفين، و كأن روحي الطيّبة خرجت ومعها الرائحة الذكيّة التي كنتُ حسَن الصِّيت بشأنها.
فيما بعد، وُضعتُ بداخلَ حُفرةٍ أخرى، لكن هذه المرة، كانت أقلَ قطراً وأقصر طولاً. وألقوا بجواري ما ظننتهُ لوهلةٍ وأنّهُ ملاكٌ -من شدّةِ بياضِ لونِه- أتى لينقذني. لكنهُ كان مجرد أسيرٍ آخر.
علمتُ أن نهايتي كانت قريبة. فلقد أحسستُ بذلك عندما كان الآسِرُ يتلذذ بتعذيب وتشويه وجه الأسير الذي يشاركني الحُفرة وهو يهمهم بهناءةٍ و سعادةٍ واضحيّن.
أغمضتُ عينيّ. كنتُ مشمئزاً من بشاعةِ الكون. ظاناً أن نهايتي وآلامي ستدوم لأكثر من هذا. حتى صرخ الآسِرُ قائلاً:
واحد كورتادو مع كوكونت ميلك باسم رهف.
© to the artist
أحببتها✨😍❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️